سورة يس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}
أي لما قتل {قِيلَ} له {ادخل الجنة} وعن قتادة: أدخله الله الجنة وهو فيها حيّ يرزق أراد قوله تعالى: {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ} [آل عمران: 169] وقيل: معناه البشرى بدخول الجنة وأنه من أهلها.
فإن قلت: كيف مخرج هذا القول في علم البيان؟ قلت: مخرجه مخرج الاستئناف، لأنّ هذا من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه، كأنّ قائلاً قال: كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلب في نصرة دينه والتسخي لوجهه بروحه؟ فقيل: قيل ادخل الجنة ولم يقل قيل له، لاْنصباب الغرض إلى المقول وعظمه، لا إلى القول له مع كونه معلوماً، وكذلك {قَالَ ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ} مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد من قوله عند ذلك الفوز العظيم، وإنما تمنى علم قومه بحاله، ليكون علمهم بها سبباً لاكتساب مثلها لأنفسهم، بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والعمل الصالح المفضيين بأهلهما إلى الجنة. وفي حديث مرفوع: «نصح قومه حياً وميتاً» وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ، والحلم عن أهل الجهل، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه. ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام. ويجوز أن يتمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره، وأنه كان على صواب ونصيحة وشفقة، وأن عداوتهم لم تكسبه إلا فوزاً ولم تعقبه إلا سعادة، لأنّ في ذلك زيادة غبطة له وتضاعف لذة وسرور. والأوّل أوجه. وقرئ: {المكرمين}.
فإن قلت: (ما) في قوله تعالى: {بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى} أي الماآت هي؟ قلت: المصدرية أو الموصولة؛ أي: بالذي غفره لي من الذنوب. ويحتمل أن تكون استفهامية؛ يعني بأي شيء غفر لي ربي؛ يريد به ما كان منه معهم من المصابرة لإعزاز الدين حتى قتل، إلا أنّ قولك: {بم غفر لي} بطرح الألف أجود وإن كان إثباتها جائزاً؛ يقال: قد علمت بما صنعت هذا، أي: بأي شيء صنعت وبم صنعت.


{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)}
المعنى: أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك، ولم ينزل لإهلاكهم جنداً من جنود السماء، كما فعل يوم بدر والخندق، فإن قلت: وما معنى قوله: {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ}؟ قلت: معناه: وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جنداً من السماء، وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون البعض، وما ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ومِنْهُمْ وَمِنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40].
فإن قلت: فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق؟ قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]، {بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، {بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} [آل عمران: 124]، {بِخَمْسَةِ ءالاف مّنَ الملئكة مُسَوّمِينَ} [آل عمران: 125]؟ قلت: إنما كان يكفي ملك واحد، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة منه، ولكن الله فضَّل محمداً صلى الله عليه وسلم بكل شيء على كبار الأنبياء وأولي العزم من الرسل، فضلاً عن حبيب النجار، وأولاهُ من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحداً؛ فمن ذلك أنه أنزل له جنوداً من السماء وكأنه أشار بقوله: {وَمَا أَنزَلْنَا} {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلاّ مثلك، وما كنا نفعله بغيرك {إن كانت إلاّ صيحة واحدة} إن كانت الأخذة أو العقوبة إلاّ صيحة واحدة.
وقرأ أبو جعفر المدني بالرفع على كان التامة، أي: ما وقعت إلاّ صيحة، والقياس والاستعمال على تذكير الفعل؛ لأنّ المعنى: ما وقع شيء إلاّ صيحة، ولكنه نظر إلى ظاهر اللفظ وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل، ومثلها قراءة الحسن: {فأصبحوا لا ترى إلاّ مساكنهم} وبيت ذي الرمّة:
وَمَا بَقِيَتْ إلاَّ الضُّلُوعُ الْجَرَاشِعُ ***
وقرأ ابن مسعود {إلا زقية واحدة} من زقا الطائر يزقو ويزقي، إذا صاح. ومنه المثل: أثقل من الزواقي {خامدون} خمدوا كما تخمد النار، فتعود رماداً، كما قال لبيد:
وَمَا الْمَرْءُ إلاَّ كَالشَّهَابِ وَضَوْئِهِ *** يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ


{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)}
{ياحسرة عَلَى العباد} نداء للحسرة عليهم، كأنما قيل لها: تعالي يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها، وهي حال استهزائهم بالرسل. والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون، ويتلهف على حالهم المتلهفون. أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين. ويجوز أن يكون من الله تعالى على سبيل الاستعارة فى معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم ومحنوها به، وفرط إنكاره له وتعجيبه منه، وقراءة من قرأ: {يا حسرتاه} تعضد هذا الوجه لأن المعنى: يا حسرتي. وقرئ: {يا حسرة العباد}، على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم؛ من حيث أنها موجهة إليهم. ويا حسرة على العباد: على إجراء الوصل مجرى الوقف.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8